قال الإمام ابن القيِّم -رحمه الله- في " مفتاح دار السَّعادة " (2/89- ط.دار ابن عفَّان):
(وكانت أمُّ الدَّرداء -رضي الله عنها- إذا سافرت فصعدت على جبلٍ تقول لِمَنْ مَعَها: أسْمِعِ الجبالَ ما وعدها ربُّها؛ فيقول: ما أُسْمِعُها؟! فتقول: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه:105-107]، فهذا حال الجبال، وهي الحجارة الصّلبة، وهذه رقَّتها وخشيتها وتَدَكْدُكُها من جلال ربِّها وعظمته. وقد أخبر عنها فاطرُها وباريها أنَّه لو أنزل عليها كلامَه؛ لخَشَعَتْ ولتصدَّعَتْ مِنْ خشيةِ اللهِ.
فيا عجبًا مِنْ مُضْغَةِ لَحْمٍ أقسى من هذه الجبال! تسمع آيات الله تُتلى عليها، ويُذْكَرُ الرَّبُّ -تبارك وتعالى-؛ فلا تلينُ، ولا تخشعُ، ولا تنيبُ، فليس بِمُسْتَنْكَرٍ على الله -عزَّ وجلَّ- ولا يخالف حكمتَه أنْ يَخْلُقَ لها نارًا تُذيبها؛ إذ لَمْ تَلِنْ على كلامِه وذِكْرِه وزواجِرِه ومواعظِه.
فَمَنْ لَمْ يُلِنْ للهِ في هذه الدَّار قلبَه، ولَمْ يُنِبْ إليه، ولم يُذِبْهُ بِحُبِّه والبكاء من خشيته؛ فليتمتَّعْ قليلاً؛ فإنَّ أمامه المُليِّن الأعظم، وسيُرَدُّ إلى عالم الغَيْبِ والشَّهادة؛ فيرى ويعلم!) انتهى كلامه -رحمه الله-.